فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال صاحب روح البيان:

{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ} أي: من بعد ذهابه إلى الطور ومن لابتداء الغاية {مِنْ} للتبعيض {حُلِيِّهِمْ} جمع حلي كثدي وثدي وهو ما تزين به من الذهب والفضة وإضافة الحلى إليهم مع أنها كانت للقبط لأدنى الملابسة حيث كانوا استعاروها من أربابها حين هموا بالخروج من مصر.
{عِجْلا} مفعول أول لقوله اتخذ لأنه متعد إلى اثنين بمعنى التصيير والمفعول ثاني محذوف أي صيروه إلهًا والعجل ولد البقر وأبو العجل الثور والجمع العجاجيل والأنثى عجلة سمي عجلًا لاستعجال بني إسرائيل عبادته وكانت مدة عبادتهم له أربعين يومًا فعوقبوا في التيه أربعين سنة فجعل الله تعالى كل سنة في مقابلة يوم.
{جَسَدًا} بدل من عجلًا أي جثة ذا دم ولحم أو جسدًا من ذهب لا روح معه فإن الجسد اسم لجسم له لحم ودم ويطلق على جثة لا روح لها.
{لَّهُ خُوَارٌ} أي: صوت البقر.
وذلك أن موسى كان وعد قومه بالانطلاق إلى الجبل ثلاثين يومًا فلما تأخر رجوعه قال لهم السامري رجل من قرية يقال لها سامرة وكان رجلًا مطاعًا من قوم موسى إنكم أخذتم الحلي من آل فرعون فعاقبكم الله بتلك الجناية ومنع موسى عنكم فاجمعوا الحلي حتى أحرقها لعل الله يرد علينا موسى، أو سألوه إلهًا يعبدونه وقد كان لهم ميل إلى عبادة البقر منذ مروا على العمالقة التي كانوا يعبدون تماثيل البقر وذلك بعد عبور النهر، وقد مرت قصته فجعل السامر الحلي بعد جمعها في النار وصاغ لهم من ذلك عجلًا لأنه كان صاغًا وألقى في فمه ترابًا من أثر فرس جبريل عليه السلام وكان ذلك الفرس فرس الحياة ما وضع حافره في موضع إلا اخضر وكان قد أخذ ذلك التراب عند فلق البحر أو عند توجهه إلى الطور فانقلب ذلك الجسد لحمًا ودمًا وظهر فيه خوار وحركة ومشي، فقال السامري: هذا إلهكم وإله موسى فعبدوه إلا أثني عشر ألفًا من ستمائة ألف وقيل إنه جعل ذلك العجل مجوفًا وجعل في جوفه أنابيب على شكل مخصوص وكان وضع ذلك التمثال على مهب الريح كانت الريح تدخل في تلك الأنابيب فظهر منه صوت مخصوص يشبه خوار العجل فأوهم بني إسرائيل أنه حي يخور فزفنوا حوله أي رقصوا.
نقل القرطبي عن الطرشوشي: أنه سئل عن قوم يجتمعون في مكان يقرؤون شيئًا من القرآن ثم ينشد لهم منشد شيئًا من الشعر يرقصون ويطربون ويضربون بالدف والشنانير هل الحضور معهم حلال أولا.
قال مذهب الصوفية: بطالة وجهالة وضلالة وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري فلما اتخذوا عجلًا جسدًا له خوار قاموا يرقصون حوله ويتواجدون فهو دين الكفار وعباد العجل وإنما كان يجلس النبي عليه السلام مع أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم من الحضور في المساجد وغيرها ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم ولا يعينهم على باطلهم هذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم من أئمة المسلمين كذا في حياة الحيوان.
قال في نصاب الاحتساب: هل يجوز له الرقص في السماع الجواب لا يجوز ذكر في الذخيرة أنه كبيرة ومن أباحه من المشايخ فذلك للذي صارت حركاته كحركات المرتعش وهل يجوز السماع الجواب إن كان السماع سماع القرآن أو الموعظة يجوز وإن كان السماع الغناء فهو حرام؛ لأن التغني واستماع الغناء حرام ومن أباحه من مشايخ الصوفية فلمن تخلى عن الهوى وتحلى بالتقوى واحتاج إلى ذلك احتياج المريض إلى الدواء.
وله شرائط.
إحداها: أن لا يكون فيهم أمرد.
والثانية: أن لا يكون جمعيتهم إلا من جنسهم ليس فيهم فاسق ولا أهل دنيا ولا امرأة.
والثالثة: أن يكون نية القوال الإخلاص لا أخذ الأجرة والطعام.
والرابعة: أن لا يجتمعوا لأجل طعام أو نظر إلى فتوح والخامسة: لا يقومون إلا مغلوبين.
والسادسة: لا يظهرون الوجد إلا صادقين.
قال الشيخ عمر بن الفارض في القصيدة الموسومة بنظم الدر:
إذ هام شوقًا بالنماغى وهمّ أن يطير إلى أوطانه الأولية يسكن بالتحريك وهو بمهده إذا ناله أيدي المربى بهزة.
قال الإمام القاشاني في شرحه: إذا هام الولي واضطرب شوقًا إلى مركزه الأصلي ووطنه الأولي بسبب مناغاة المناغي وهم طائر روحه إلى أن يطير إلى عشه ووكره الأولي تهزه أيدي من يربيه في المهد فيسكن بسبب التحريك من قلقه وهمه بالطيران والمقصود من إيراد هذا المعنى أن يشير إلى فائدة الرقص والحركة في السماع وذلك أن روح السامع يهم عند السماع أن يرجع إلى وطنه المألوف ويفارق النفس والقالب فتحركه يد الحال وتسكنه عما يهم به بسبب التحريك إلى حلول الأجل المعلوم وذلك تقدير العزيز العليم انتهى.
واعلم: أن الرقص والسماع حال المتلون لا حال المتمكن ولذا تاب سيد الطائفة الجنيد البغدادي قدس سره عن السماع في زمانه فمن الناس من هو متواجد ومنهم من هو أهل وجد ومنهم من هو أهل وجود.
فالأول: المبتدئ الذي له انجذاب ضعيف، والثاني: المتوسط الذي له انجذاب قوي، والثالث:
المنتهي الذي له انجذاب قوي وهو مستغن عن الدوران الصوري بالدوران المعنوي بخلاف الأولين ولابد من العشق في القلب والصدق في الحركة حتى يصح الدوران والعلماء وإن اختلفوا في ذلك فمن مثبت ومن ناف لكن الناس متفاوتون والجواز للأهل المستجمع لشرائطه لا لغيره.
قال حضرة الشيخ أفتاده أفندي قدس سره: ليس في طريقتنا رقص ولا في طريق الشيخ الحاج بيرام ولي أيضًا لأن الرقص والأصوات كلها إنما وضع لدفع الخواطر ولا شيء في دفعها أشد تأثيرًا من التوحيد ونبينا عليه الصلاة والسلام لم يلقن إلا التوحيد.
ذكر أن عليًا قال يومًا لا أجد لذة العبادة يا رسول الله فلقنه التوحيد ووصاه أن لا يكلم أحدًا بما ظهر له من آثار التوحيد فلما امتلأ باطنه من أنوار التوحيد واضطر إلى التكلم جاء إلى بئر فتكلم فيها فنبت منها قصب فأخذه راع وعمل منه المزمار وكان ذلك مبدأ لعلم الموسيقى.
وقال وقد يقال أن رجلًا يقال له عبد المؤمن سمع صوت الأفلاك في دورها فأخذ منه العلم الموسيقا ولذلك كان أصله اثني عشر على عدد البروج ولكن صداها على طرز واحد فالإنسان لقابليته ألحق به زيادات كذا في الواقعات المحمودية فقد عرفت من هذا البيان أنه ليس في الطريقة الجلوتية بالجيم دور ورقص بل توحيد وذكر قيامًا وقعودًا بشرائط وآداب وإنما يفعله الخلوتية بالخاء المعجمة ما يتوارثون من أكابر أهل الله تعالى لكن إنما يقبل منهم ويمدح إذا قارن شرائطه وآدابه كما سبق وإلا يرد ويذم وقد وجدنا في زماننا أكثر المجالس الدورية على خلاف موضوعها فالعاقل يختار الطريق الأسلم ويجتنب عن القيل والقال وينظر إلى قولهم لكل زمان رجال ولكل رجال مقام وحال.
قال الشيخ أبو العباس: من كان من فقراء هذا الزمان آكلًا لأموال الظلمة مؤثرًا للسماع ففيه نزغة يهودية قال الله تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ}.
وقال الحاتمي: السماع في هذا الزمان لا يقول به مسلم ولا يفتدى بشيخ يعمل السماع وقد عرفت وشاهدت في هذا الزمان أن المجالس الدورية يحضرها المردان أن الملاح والنساء وحضورهم آفة عظيمة فإنهم والاختلاط بهم والصحبة معهم كالسم القاتل ولا شيء أسرع إهلاكًا للمرء في دينه من صحبتهم فإنهم حبائل الشيطان ونعوذ بالله من المكر بعد الكرم ومن الحور بعد الكور إنه هو الهادي إلى طريق وصاله وكاشف القناء عن ذاته وجماله والمواصل إلى كماله بعد جماله وجلاله وهو الصاحب والرفيق في كل طريق.
{أَلَمْ يَرَوْا} آيانديدند وندانستند {أَنَّهُ} أي: العجل: {لا يُكَلِّمُهُمْ} أي: ليس فيه شيء من أحكام الألوهية حيث لا يقدر على كلام ولا أمر ولا نهي {وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلا} أي ولا يرشدهم طريقًا إلى خير ليأتوه ولا إلى شر لينتهوا عنه.
{اتَّخَذُوهُ} إلهًا ولو كان إلهًا لكلمهم وهداهم لأن الإله لا يهمل عباده قوله اتخذوه تكرير للذم، أي اتخذوه إلهًا وحسبوا أنه خالق الأجسام والقوى والقدر {وَكَانُوا ظَالِمِينَ} أي: واضعين الأشياء في غير موضعها فلم يكن اتخاذ العجل بدعًا منهم. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ} [148].
{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ} يخبر تعالى عن ضلال من ضل من بين إسرائيل، في عبادتهم العجل الذي اتخذه لهم السامري من حلي القبط، الذي كانوا استعاروه منهم، فشكل لهم منه عجلًا، جسدًا لا روح فيه، وقد احتال بإدخال الريح فيه، حتى صار يسمع له خوار، أي: صوت كصوت البقر، وإنما أضاف الصوت إليه، لأنه كان محله عند دخول الريح جوفه، وكان هذا منهم بعد ذهاب موسى لميقات ربه تعالى وأعلمه الله تعالى بذلك وهو على الطور، حيث يقول إخبارًا عن نفسه الكريمة: {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ}.
لطائف:
قال الزمخشري: فإن قلت: لم قيل: {واتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى عِجْلًا} والمتخذ هو السامري؟ قلت: فيه وجهان:
أحدهما: أن ينسب الفعل إليهم، لأن رجلًا منهم باشره، ووُجد فيما بين ظهرانيهم، كما يقال: بنو تميم قالوا كذا وفعلوا كذا والقائل والفاعل واحد. ولأنهم كانوا مريدين لاتخاذه، راضين له، فكأنهم أجمعوا عليه.
والثاني: أن يراد: واتخذوه إلهًا وعبدوه. فإن قلت: لم قال: {مِنْ حُلِّيِهِمْ} ولم يكن الحلي لهم، إنما كانت عواري في أيديهم؟ قلت: الإضافة تكون بأدنى ملابسة وكونها في أيديهم عواري، كفى به ملابسة، على أنهم قد ملكوها بعد المُهلكين، كما قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرائيلَ}. انتهى.
قال النسفي: وفيه دليل على أن من حلف أن لا يدخل دار فلان، فدخل دارًا استعارها يحنث، وأن الإستيلاء على أموال الكفار يوجب زوال ملكهم عنها. انتهى.
والحُليُّ بضم الحاء والتشديد، جمع حَلْي بفتح فسكون، كثَدْي وثُدِيّ، وهو اسم لما يتحسن به من الذهب والفضة.
وقوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} تقريع على فرط ضلالهم وإخلالهم بالنظر، والمعنى: ألم يروا، حين اتخذوه إلهًا، أنه لا يقدر على كلام، ولا على إرشاد سبيل، كآحاد البشر؟ فهو جماد لا ينفع ولا يضر، فكيف يكون إلهًا؟
وقوله تعالى: {اتَّخَذُوهُ} تكرير لتأكيد الذم، أي: اتخذوه إلهًا وعبدوه {وَكَانُواْ ظَالِمِينَ} أي: واضعين الأشياء في غير مواضعها، والجملة إما استئنافية، أو اعتراض تذييلي للإخبار بأن ذلك دأبهم وعادتهم قبل ذلك، فلا ينكر هذا منهم. أو حالية، أي: اتخذوه في هذه الحالة المستقرة لهم.
تنبيه:
قال الجشمي: تدل الآية على صحة الحجاج في الدين، وأنه تعالى دلهم، في بطلان اتخاذ العجل إلهًا، بأنه لا يتكلم ولا يهدي، وإنما ذكر الكلام لأن الخوار تنفد فيه الحيلة، ولا تنفد في الكلام.
وتدل على أن إزالة الشبه في الدين واجب، كما أزالها الله تعالى، وتدل على أن القوم كانوا جهالًا غير عارفين حقيقة الأشياء، لذلك عبدوا العجل، وتدل على أن تلك الحلي كانت ملكًا لبني إسرائيل، لذلك قال: {حُلِّيِهِمْ}، فإن ثبت أنهم استعاروه، فيدل على زوال ملكهم، وانتقال الملك إلى بني إسرائيل، كما تملك أموال أهل الحرب، وتدل على أن الاتخاذ فعلهم. اهـ.